Mohamed Amine HAMOUDA. "RAGHATA... La route de la Soie"

  

   رغّاطة طريق آخر  إلى  المعاصرة  و معانيها

       عبدالله أبو العباس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

          يُقدّم محمد أمين حمودة  في الأعمال التّي  يعرضها ضمن  مشروعه الجديد (رغّاطة ،الطريق إلى الحرير )  تعبيريّة بصريّة تقوم على خامات طبيعية مستمدّة من  محيط  الواحات ،  وهو مشروع ثري بإمكانات ابتكاريّة خارج الجاهز من مدوّنة التعبير الأكاديمي ووسائطه  وكذلك  ما يُعرض ويُتداول في قطاع الفُنون عامة ، خلال ندوات وورشات تطالعنا  من حين لآخر تحت مسمّيات عدةّ .

 هو يبحث عن مساحات مُلوّنة تتفاوت باختلاف الألياف التي يُجمّعها   بعد استخلاص أغشية قريبة من الورق بأدواته الخاصّة وحسب ما توصّل  إليه. هو لا يطبّق وصفات جاهزة  أو ما ينظر في كتيّبات  الأنشطة الصّناعية.

   ضمن إنشائية ذاتيّة ،يعرض محمد أمين حمّودة  منتجات هذه “التجريبيّة –المشروع”  عبر  مُلاءمة  مُعاصرة تجمع بين فعل  العرض كالمُراوحة بين   مسارات العمل المسندي ( السطح المنقول والقابل للعرض  من جهة واحدة ) أو تنصيبات ومقاطع سمعية بصريّة وصور رقميّة تُنشر على صفحته الرّسمية

في “رغّاطة  أو الطريق إلى الحرير”  لابدّ من فهم  هذه  المفردة المحلّية في الجنوب الشرقي وكذلك سياقها ومدى  علاقتها بالعمل التشكيلي  ؟

الرّغاطة هي إمكانية  قبل أن تكون مجرّد كلمة بل   تهيئة عمليّة  لفنّ خارج ثقافة المتاحف فنحن نعرف كيف نشأت المتاحف   وبداياتها وتاريخها وكيف أسهمت في خلق نمط تعبيري ما زال أغلب الفنانين تحت تأثيره سواء   تعلّق الأمر بالتصوّر  أو التنفيذ.

 الرّغّاطة  فزعة الهبّة الواحدة وهي انتفاء للفرد مقابل  تحقيق قيمة جمعيّة نبيلة.  إذن هي توصيل وتقريب تطبيقي  لتجربة الفن إلى مدارات  الآخر دون التقيّد بحدود التخصّص أو السّياق وكذاك الحاجز المكاني أو اللّغوي وربّما حتى الجسماني.

 من هذه الثّقافة   التي تستبطن  الفكرة   عبر الأنظمة الاجتماعية والتّاريخية وكذلك وسائل الترفيه والتّرويح  لدى  سكان  الواحة بهدف خلق متعة ما نفهم تجربة محمد أمين حمودة .

 ما من شك  أن تاريخ الرّغاطة كفعل إبداعي   انحدر    مع بداية   التوطّن وفق  تجمّعات  الربع أو المضارب  ومن بعده  النّزلة (جمع منازل ) . وهي   (الرّغاطة )عادة موروثة في   إقليم الجّفارة والجنوب الشرقي عموما والتي عرفت   سلسلة من الحضارات منذ  كتابات هيرودوت و ما تلاه من  عهود  ولا نستغرب ذلك نظرا لموقعها الساحلي( واحة بحريّة )  ووجود علامات  حضارة قديمة سابقة  لاتبعدها كثيرا ، الحضارة  القبصيّة 4000ق م،   إضافة إلى ورود اسمها  ضمن تاريخ التّجارة مع الفنيقين في العهد النوميدي و الماسيلي حتى تأسّس قرطاج و سقوطها و سيطرة الرّومان  و من بعده ما تعاقب من حضارات كالوندال و  البزنطيين وصولا  إلى عهد   الفتوحات حتى  سنة 1590م بداية الحكم العثماني  ونهاية الحكم الحفصي

  و كمثال عن الكتب نذكر الرّحالة القدماء ومؤرخي العمران البشري  مثل (الإدريسي 1100-1166م ) و (ياقوت الحموي 1176-1229 م)،  (التّيجاني 1272-1277م)، ابن خلدون (1332 – 1406م)  .

الكلمة تحمل دلالات متشعّبة ،و بالعودة  إلى اللّهجة ونسيج التسميات وعلم الأصوات التي ثبت تداولها في هذا المكان والتي  تشكّل منها اسم المدينة قابس وكذلك طبيعة  الأنشطة  من فلاحة وتراث مادي و  العادات يمكن ملاحظة  ما يلي :

  1.  وجود كلمات تسبق الفنيقيّة وكذلك لُقيات  أثريّه من الحجر والخزف والمعدن تثبت عراقة  فنّ المشغولات اليدويّة في الواحة. نقصد هنا كلمات من أصول أكاديّة و كنعانيّة.
  2.  كتابات تؤكد العلاقة الوثيقة مع مدن الشّرق فينقيا ومنطقة الهلال الخصيب وأروبا إلى جانب الامتداد القاري الطبيعي هذا إلى جانب تقارير الرّحالة المستشرقين والحملات العسكرية   والدراسات الميدانية التي قام بها علماء في أكثر من اختصاص استراتيجي جيولوجي   تاريخي…

 ما يهمنّا من هذه التشعّبات تلك الحالة التعبيرية التي تلازم الفرد  المرتحل والمقيم لأوّل مرّة بهذا المكان دون واسطة أو معرفة مُسبقة وهي طبيعة كلّ فنّان يروم إنجاز تجربة بكر مع المكان ومكوّناته.

 إنّ تجربة محمد أمين حمودة تجربة  من نوع  استذكارات  بروح  معاصرة  تعيد النّظر في الحالة الإنسانيّة  التي تثبت رغم تغيّر الأزمنة والأمكنة وكذلك نسيج العلاقات  سواء مع الذّات أو الآخر وكيف يُعدّ الفنّان خاماته وفكرته ويتقدّم نحوها وكذلك التدرّب على ذلك  المناخ الإبداعي المُمهّد  لظهور ما اختار له من الاسم رغّاطة .

 الترغيط فعل الرّغاطة ، وهو بالإساس حدث مقترن  بمعنى التّكافل والتّعاون الذي تفرضه الحاجة والتعامل النّفعي مع الزّمن عبر فعل يتعذّر على الفرد  إقامته مثل  حصاد محصول أو إنجاز سقف بيت  وما يتطلّبه من رفع  الأخشاب والحجر وأدوات ربط تمنع تأثير الرياح أو المطر  تعلمها الإنسان نتيجة التكيّف مع الأحداث والعوامل الطبيعية وكذلك ما وصله من خبرات ونصائح جيل سبقه.

ما يجب  الإشارة إليه في الرّغاطة  التي تبقي على نمط تعبيري وحرفي قديم يمكن تصنفه ضمن المشغولات اليدويّة  ليست صناعة ورق أو استعاد لطريق الحرير وإنّما هي لحظة تبادل بين الحاضر والماضي في مستقبل هو في الأصل مُتاح   عبر الفعل التطويعي لألياف اللّحاء والمواد التي يجمعها ويقتطعها من الطبيعة . وفي هذا السياق نفهم معنى رغّاطة والطّريق إلى الحرير هو يعي أن الإنسان  يحتفظ في  فعله التشكيلي بإمكانيات استعادة نمط عيش اجتماعي يقوم على علاقة التّكافل والتّعاون وإنجاز ما لايمكن إنجازه معزولا. مثل حصاد مساحات شاسعة أو كمر  سقف وما يتطلّبه من رفع قطع ثقيلة تتعذّر على الفرد.

  المشغولات اليدويّة توجد معرفة تقنيّة تتوارث  وتُمرّر من جيل إلى آخر  بينما الفنّ هو ابتكار في المعرفة وفرادة وربط الحرفيّة بالفنّ وارد بشرط المحافظة على تمرير الخبرة .و تنتهي الحرفية عند التركيز على الابتكار فتصبح غير الصناعة مثل صناعة المظلة والسلال الخ. في الحرفية هناك التزام ضمني بقالب وتصوّر  يقرّ بحدود الابتكار عكس الفنّي الذي يقطع مع القوالب والموروث غالبا.

 من هذا السّياق لابدّ من إعادة النظر في آليات الصّورة  وتحليلها ومن ثمة  العمل الفنّي وابتكار مِنهاج يلائم طبيعة الأعمال المعروضة  وأرى من التعسّف أن يقع قراءة المعروضات من  منطق الفنّ الغربي والنّظريات الجماليّة  والنّفاذ  إلى خصائصها عبر كوّة المفاهيميّة ومنطق المتحفي الشّكلاني .

رغاطة ، تثبت لنا في عصر “السّمارت فون” والتحوّلات البصريّة  في ظلّ البرمجيات المتطوّرة والمعادلات اللوغاريتمية التي  اقتحمت  إنشائية الفعل التشكيلي الرّاهن وفرضت سيرة  مقولبة مُتشابهة . الذي  يتمّ عبر أعمال مختلفة ومعالجة يدويّة بالأساس تستغل عامل التّفاعل العضوي والزّمني مع خامة معالجة بأفعال جسديّة مباشرة مثل القطع ، العصر، التسيير ، المزج، الغربلة، الترطيب وهي  امتداد لأفعال من قبيل تأثير الجسد على ما يحيط به من أجسام.

 وفق حقيقة باتت جليّة المعالم  ، إذا كان الحاضر قد أبعد الماضي وغيّبه واندثرت سمات العادات والتّقاليد وأغلب عوالم الواحة فأن  الفنّ يمكن أن يستعيد شيئا من أنشطة المُبعد هذا ربما على نفس العلاقة التي كانت تجمع   قاطن الواحة البحريّة  ومدن القوافل مع المعنى والتي لم تعد موجودة إلا في الذّهن ونصوص  التطريسات ( الكتابة على مخطوط من الرقّ أزيل نصّه الأصلي).

Search for a Topic